الأحد، 22 مارس 2015

أربع سنوات من الانتهاكات بحق الإعلاميين السوريين.. والأرقام مرعبة



مقدمة


مع انطلاق الثورة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد منتصف شهر آذار من عام 2011، ومع تبني النظام السوري الحل الأمني للتعامل مع حركة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد، قامت السلطات السورية بمنع وسائل الإعلام، العربية والأجنبية، من العمل داخل الأراضي السورية، وبشكلٍ خاص في المناطق التي شهدت مظاهرات وتحركات شعبية، ولاحقاً أعمالاً عسكرية، ليكون التواجد الإعلامي الوحيد هو للإعلام الرسمي المرتبط بالنظام أو بعض المحطات الإخبارية التابعة لجهات مقربة من النظام أو التي تقاتل إلى جانبه.

مع اتساع رقعة الاحتجاجات والأعمال العسكرية تحوّلت سوريا إلى أخطر دولة في العالم على الإعلاميين، حيث أخذ الصحافيون على عاتقهم مسؤولية الدخول إلى المناطق الساخنة دون موافقة مسبقة من السلطات الأمنية. وتعرّض عددٌ كبير منهم للقتل خلال قصف قوات النظام للمدن والبلدات السورية، كما تعرّض قسم آخر للاعتقال أو الاختطاف على أيدي أجهزة الأمن السوري أو بعض الفصائل المعارضة التي برزت على الساحة.

نتيجةً لذلك اعتمدت وكالات الأنباء على الإعلاميين والناشطين الإعلاميين السوريين المعارضين كمصدر وحيد تقريباً لتغطية الأحداث الجارية في سوريا، في ظلّ غيابٍ تام لأية جهة إعلامية حيادية، ولذلك أصبحت أعداد القتلى والمخطوفين في صفوف الناشطين الإعلاميين السوريين هي الأكبر.



مشاكل وصعوبات في التوثيق


تختلف أرقام المنظمات الحقوقية أو المعنية بتوثيق الانتهاكات فيما يتعلق بأعداد ضحايا الحرب المستمرة في سوريا منذ أربع سنوات بشكلٍ عام، حيث تشير الأرقام إلى مقتل أكثر من 250 ألف شخص خلال نحو 48 شهراً، يضاف إليهم ما يزيد عن 200 ألف معتقل ومفقود؛ كذلك هو الأمر بالنسبة لعدد الانتهاكات التي طالت الإعلاميين.

المشكلة الأبرز في التوثيق تتمثّل في المعايير المستخدمة لاعتبار الشخص المعني إعلامياً أو ناشطاً إعلامياً. وقد استثنى موقع الحل السوري في إحصاءاته كافة الإعلاميين التابعين أو المرتبطين بالكتائب المقاتلة، وبشكلٍ خاص من شارك في النزاع المسلح بشكلٍ مباشر، لكن لم يتمّ استبعاد الإعلاميين الذين اضطروا إلى حمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم في المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة؛ فطبيعة الصراع الدائر وعدم توفير الحماية للإعلاميين واستهدافهم بشكل مباشر من قبل قوات النظام حتّم على بعضهم حمل الأسلحة الفردية الخفيفة للدفاع عن النفس عند التعرض لأي هجوم. ولا بد من التنويه إلى أن الأرقام والاحصائيات تشمل الإعلاميين والناشطين الإعلاميين السوريين فقط دون الأجانب، وسيتم استخدام تعبير "إعلامي" للدلالة على الاثنين.

من جهةٍ أخرى، تدور شكوك حول مصير المفقودين في صفوف الإعلاميين، وذلك في ظلّ ضعف أو عدم القدرة على التأكد من الجهة التي تقوم بالاختطاف، وبالأخص في المناطق الخاضعة تحت سلطة المعارضة المسلحة أو التي تشهد معارك مستمرّة، حيث تم تسجيل اختفاء أو اغتيال عددٍ من الإعلاميين في عدة مناطق من سوريا دون أن تُعرف حيثيات الحوادث. كذلك هو الأمر بالنسبة للمناطق الواقعة تحت سيطرة قوات النظام، حيث تتكتّم الأخيرة على أسماء المعتقلين وأعدادهم، كما لا تفصح عن مصيرهم وأماكن احتجازهم والتهم الموجّهة إليهم.

بالإضافة إلى ما سبق، تواجه عملية التوثيق صعوبات تتعلق بحالات الاعتقال والتغييب القسري تعود لتعذّر الوصول إلى كل المدن والبلدات والقرى في سوريا، وعدم وجود هيئات محلية تهتمّ بموضوع التوثيق بشكل جيد، إضافةً لاستخدام الإعلاميين لأسماء مستعارة في معظم الأحيان، خوفاً من الملاحقة الأمنية أو من بعض الجهات في المعارضة المسلحة، وإخفاء حقيقة بعض الإعلاميين وطبيعة عملهم، خوفاً من تصفيتهم أو الاعتداء على عائلاتهم. بالنتيجة، يرجّح أن تكون الأرقام الحقيقة أكبر من الأرقام التي تمّ توثيقها.



القسم الأول: انتهاكات قوات النظام والميليشيات الموالية لها




أولاً- الإحصاءات


خلال الفترة الممتدة من منتصف آذار من عام 2011 وحتى نهاية شهر شباط من العام الحالي، تمكّن موقع الحل السوري من توثيق مقتل 292 إعلامياً في عمليات قصفٍ شنّتها قوات تابعة للجيش السوري النظامي على مناطق متفرّقة من البلاد، أو برصاص قوات النظام والميليشيات الموالية لها عبر استهدافهم بشكل مباشر خلال تغطيتهم للمظاهرات أو المعارك، وقد شهدت كل من دمشق وريفها وحلب وريفها تسجيل أكبر عددٍ من القتلى، بواقع سقوط 82 قتيلاً إعلامياً في دمشق وريفها و 69 آخرين في حلب وريفها.

كما تم توثيق مقتل 17 إعلامياً تحت التعذيب في سجون النظام، ومقتل اثنين آخرين في إعدامات ميدانية قامت بها قواته. فيما اعتقلت قوات النظام 34 إعلامياً، فضلاً عن جرح أكثر من 60 آخرين.



ثانياً- نماذج عن بعض الانتهاكات


1- اعتداءات على المقرات الإعلامية

دمّر القصف باستخدام البراميل المتفجرة من قبل الطيران المروحي التابع لقوات النظام كلاً من مكتب وكالة شهبا برس في حلب ومقرّ المكتب الإعلامي في داريا بريف دمشق، بالإضافة إلى تعرّض العديد من المقرات الإعلامية المعارضة للقصف من قبل قوات النظام، وذلك في المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة. وتجدر الإشارة إلى قيام قوات النظام بمداهمة المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، واعتقال طاقم العمل، وعلى رأسه مدير المركز مازن درويش وذلك في السادس عشر من شهر شباط من عام 2012.

2- قوات النظام تعتقل إعلامياً أربع مرات بتهمٍ مختلفة وتعذبه بطرق متنوعة

أبو زياد، ناشط إعلامي من مدينة حماة من مواليد 1994، طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي على الرغم من انتقاله للعيش خارج سوريا بعد أن تم اعتقاله أربع مرات من قبل أجهزة الأمن السورية، على خلفية عمله في مجالي الإعلام والتصوير، فضلاً عن مشاركته في المظاهرات المعارضة للنظام السوري.

تم اعتقال أبو زياد للمرة الأولى في العشرين من شهر تموز من عام 2012، بعد اعتقالات عشوائية قامت بها قوات النظام في أعقاب مظاهرة خرجت في مدينة حماة. ووجّه القضاء لأبو زياد تهمة "التظاهر"، حيث قضى ثلاثة أيام في مقرّ فرع الأمن العسكري بحماة، وسبعة أيام في سجن حماة المركزي، ليتم إطلاق سراحه بعدها.

بعد نحو شهرٍ ونصف تمّ اعتقاله للمرة الثانية في حملة اعتقالات عشوائية أيضاً بتهمة الانتماء إلى مجموعة إرهابية ومراقبة حاجزٍ لقوات النظام، لكن سرعان ما تم إطلاق سراحه في نفس اليوم بعد تدخل شخصٍ ذي صلة بضباط الأمن في حماة.
وفي الثامن والعشرين من شهر أيلول التالي داهمت عناصر من فرع الأمن الجوي منزل أبو زياد في حي البياض بحماة واعتُقل مجدّداً بتهمة تصوير المظاهرات، وصدر قرارٌ بتحويله إلى العاصمة دمشق بعد شهرٍ من اعتقاله، إلا أن أهله دفعوا لأحد الضباط في النظام مبلغ 900 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل نحو 15 ألف دولار أميركي حينذاك، ليتم إطلاق سراحه، لكن سرعان ما أعيد اعتقاله بعد أقل من أسبوع بعد أن تمّت ملاحقته في أحد أحياء المدينة وإصابته بطلق ناري في مؤخرته. وتم اقتياد الإعلامي إلى حاجز الكراج الغربي العسكري بتهمة الانتماء لجماعة مسلّحة، وبعد التأكد من براءته من التهمة تمّ الإفراج عنه دون أن تتم معالجته، فذهب إلى أحد المشافي في حماة ليرفض الأطباء معالجته خوفاً من أن يكون ملاحقاً، ليتلقى لاحقاً العلاج عن طريق أحد الأطباء من كتلة أحرار حماة المعارضة.

خلال فترات اعتقاله تعرض أبو زياد للتعذيب باستخدام عدة وسائل، من أبرزها "الشبح" أي ربط اليدين إلى الخلف وتعليق المعتقل في الهواء. وأكد الناشط أن هذه الطريقة في التعذيب كانت تسفر عن مقتل معتقل واحد على الأقل يومياً. كما تعرّض للضرب من قبل مجموعة عناصر أمن سوريين باستخدام "الكرباج" أي السوط و"الكبل الرباعي"، وذلك في ساحة مستوصف حولته قوات الأمن إلى معتقلٍ تابعٍ لفرع الأمن الجوي.

بالإضافة إلى ما سبق، لجأت عناصر قوات النظام لحرق العضو الذكري بالزيت المغلي والماء المغلي، والضرب بالكماشة والمطرقة على جميع أنحاء الجسم، فضلاً عن حرمان أبو زياد من الطعام والشراب وقضاء الحاجة.

3- التنكيل بالجثث

أقدم جنود في الجيش السوري النظامي على قتل الإعلامي خالد قبيشو في محافظة إدلب في السابع عشر من شهر نيسان من عام 2012، وقاموا بالتنكيل بجثته بعد أن دهست دبابة تابعة للجيش النظامي رأسه.

في التاسع عشر من شهر أيلول من العام نفسه، قُتل الإعلامي عبد الكريم القدّة في حي مشاع الأربعين بحماة حرقاً، بعد تطويق منزله من قبل قوات النظام.

كما أقدمت قوات النظام على إحراق جثة الناشط الإعلامي عماد العقايلة بعد قتله أثناء تغطيته للمعارك في بلدة الشيخ مسكين بدرعا بتاريخ 4 تشرين الثاني من العام الماضي.



القسم الثاني: انتهاكات المعارضة المسلّحة


أولاً- الإحصاءات


لم يتم تسجيل أي حالات قتل قامت بها فصائل المعارضة المسلحة بحق الإعلاميين المعارضين، لكنها قامت باعتقال 20 إعلامياً على الأقل، سواء من قبل عناصر هذه الفصائل أو من قبل الهيئات الشرعية المتواجدة في مناطق المعارضة، كما تسببت بجرح أربعة إعلاميين آخرين عبر الاعتداء المباشر عليهم.

أما فيما يتعلق بالإعلاميين المرتبطين بإعلام النظام السوري الرسمي أو المقرب منه، فقد قٌتل ثلاثة إعلاميين في قناة الإخبارية السورية، التابعة للنظام السوري، في التفجير الذي استهدف مبنى القناة في ريف دمشق. كما قامت عناصر تابعة لكتائب معارضة باغتيال إعلاميين اثنين، فيما قٌتل سبعة آخرون أثناء تغطية المعارك في مناطق متفرّقة من سوريا، بينما اعتقلت كتائب المعارضة في الرقة إعلامياً واحداً.

ثانياً- أمثلة عن بعض الانتهاكات


1- أوضح الإعلامي المعارض محمد عرواني أنه كان يقوم بتصوير بناء البلدية في مدينة دوما بريف دمشق ـحين أوقفه مسلحان تابعان لإحدى كتائب المعارضة العاملة في المنطقة. وعند سؤاله عن سبب قيامه بالتصوير، أجابهم بأنه صحفي ويعدّ تقريراً عن البلدية، فطلبوا منه إعطاءهم الكاميرا. وعندما رفض، أخذ أحدهم الكاميرا بالقوة وقام الآخر بجرحه بالسكين في رقبته ويده، ثم قاما بتمزيق ثيابه وضربه، ليركبا دراجة نارية ويغادران المكان. وأكد عرواني على أنه قام بتقديم شكوى رسمية للكتائب الموجودة في المنطقة، دون أية فائدة تذكر.

2- في حلب اعتقل مسلحون من لواء أحرار سوريا المعارض مجموعةً من الإعلاميين في المدينة في الرابع عشر من شباط من عام 2013، وقاموا بتعذيبهم، وذلك بسبب نشرهم خبراً عن قيام عناصر اللواء بقتل أحد الأطفال في حي قاضي عسكر.



القسم الثالث: انتهاكات وحدات حماية الشعب الكردية وقوات الأسايش


قامت القوات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (وحدات حماية الشعب وقوات الأسايش) باعتقال 18 إعلامياً من المعارضين الأكراد، وقد تم الاعتداء على بعضهم داخل المعتقلات، فيما تمّ نفي اثنين آخرين إلى إقليم كردستان العراق، وكذلك اعتقلت إعلاميين اثنين تابعين لإعلام النظام.

بينما قامت قوات الأسايش الكردية باقتحام مقر راديو آرتا في عامودا بمحافظة الحسكة وعلّقت عمل الإذاعة



القسم الرابع: انتهاكات الجماعات المتشددة


أ- جبهة النصرة


أولاً- الإحصاءات

قامت عناصر جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة الجهادي بقتل إعلامي معارض واحد وأصابت آخر بجروح، فيما اعتقلت 17 إعلامياً معارضاً، معظمهم تم اعتقال 13 منهم خلال الأشهر الخمسة الأخيرة فقط، وهو ما تزامن مع سيطرة النصرة على مناطق واسعة في محافظتي إدلب وحلب.

ثانياً- أمثلة عن الانتهاكات

خلال النصف الثاني من شهر كانون الأول من عام 2014 أبلغت دار القضاء في ريف إدلب التابعة لجبهة النصرة أكثر من 20 إعلامياً بضرورة المثول أمامها تحت طائلة الاعتقال في أعقاب انتقادهم للمعارك التي خاضتها النصرة ضد حركة حزم المسلحة ذات التوجه المعتدل، وقد تم احتجاز معظمهم لمدة يوم واحد ليتم إطلاق سراحهم بعد تحذيرهم وتهديدهم.

ب- تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)


أولاً- الإحصاءات

قتل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ثمانية إعلاميين خلال عام 2014 فقط، في حين اعتقل التنظيم 48 إعلامياً، 37 منهم خلال عام 2013 ولا يزال بعضهم قيد الاعتقال، علماً أن طرق تصفية الإعلاميين تنوعت بين القتل تحت التعذيب والإعدام رمياً بالرصاص والاغتيال.

ثانياً- أمثلة عن الانتهاكات

1- أظهرت إفادات معتقلين إعلاميين في سجون تنظيم داعش بعد أن تم إطلاق سراحهم أن عناصر التنظيم يستخدمون في تعذيب المعتقلين بشكل رئيسي وسيلتين، الضرب بالسوط والتعذيب بالكهرباء، ويتم إجبار المعتقل على التوقيع على "ورقة استتابة" قبل إطلاق سراحه.

2- تم توثيق عشرات الاعتداءات التي قام بها عناصر التنظيم على المقرات الإعلامية التابعة للمعارضة، فعلى سبيل المثال قامت عناصر تابعة للتنظيم باقتحام مكتب جريدة الغربال في مدينة إدلب واختطاف مدير تحريرها محمد السلوم، وسرقة معدات الجريدة، كما قامت مجموعةٌ أخرى باقتحام مكتب حريتان للإعلام الجديد في ريف محافظة حلب وخرّبت محتوياته، إضافةً إلى اقتحام مكتب قناة شذا الحرية في حلب واختظاف سبعة ناشطين إعلاميين منه، وسرقة محتويات، وكذلك تم اقتحام مكتب وكالة مساكن هنانو الإخبارية في حلب واختطاف الإعلامي ميلاد الشهابي، فيما اقتحم مسلّحو التنظيم خمسة مكاتب إعلامية معارضة في الرقة، هي مكتب اتحاد تنسيقيات الثورة السورية ومكتب راديو أنا ومكتب الرقة الإعلامي ومكتب شبكة إعلاميون بلا حدود ومكتب تنسيقية شباب الرقة.



القسم الخامس: انتهاكات قام بها مجهولون


أقدم مسلحون مجهولون على اغتيال 6 إعلاميين معارضين في مناطق متفرقة تسيطر عليها فصائل المعارضة، دون أن يتم تحديد هذه هوية هذه المجموعات أو تبعياتها، كما اختطفت هذه المجموعات على اختطاف 12 إعلامياً معارضاً في حلب وإدلب والحسكة، واختطاف 5 عاملين في إعلام النظام في دمشق وريفها، علماً أن مصير المخطوفين بقي في معظم الحالات مجهولاً حتى الآن.



** تم نشر هذه المادة على جزأين في موقع الحل السوري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق