الخميس، 27 نوفمبر 2014

المقاتلون الأجانب في سوريا: الأعداد – الولاءات والأهداف – الآثار على الثورة السورية



تحوّلت سوريا خلال العامين الأخيرين من عمر الثورة السورية التي بدأت منتصف شهر آذار من عام 2011 إلى ساحة حرب دولية بين ميليشات مسلحة ينتمي أفرادها إلى عشرات الجنسيات، يقاتلون إلى جانب قوات المعارضة أو النظام أو لتحقيق مشاريعهم الخاصة، والصفة المشتركة لهؤلاء هي ارتباطهم بمسميات دينية إسلامية من المذهبين السنّي والشيعي.

دخول هذه المجموعات كأطراف أساسية في الصراع الدائر في سوريا خلط الأوراق، محلياً ودولياً، وفرض معادلات جديدة تختلف عما كانت عليه الأمور في البداية؛ ثورة شعبية على نظام قمعي، لتظهر تحالفات وصفقات متوقعة، وأخرى غير منطقية، وكل ذلك على حساب المدنيين بالطبع.


عدد المقاتلين الأجانب في سوريا

من الصعب تحديد أعداد المقاتلين الأجانب الذين يشتركون في الصراع الدائر في سوريا، إذ تختلف الأرقام باختلاف المصدر ووفقاً للمنهحية المتبعة في الإحصاء، علماً أن دخول العناصر الأجنبية إلى سوريا قد بدأ بعد نحو ستة أشهر من انطلاق الثورة، أي تزامناً مع تحول الثورة من الاحتجاجات السلمية إلى المقاومة المسلحة، دون إغفال اعتماد النظام بالأصل على عناصر أجنبية لمساعدة قواته سواء في التخطيط أم الأعمال التقنية أو تنفيذ أعمال القنص والاغتيال.

خلال منتدى مراكش الأمني، الذي جمع عدداً من الخبراء والمسؤولين الأمنيين العرب والأوروبيين، تم تقدير عدد المقاتلين الأجانب الذين توجهوا إلى سوريا للقتال إلى جانب مجموعات إسلامية متشددة بنحو 20 ألف مقاتل، هم من الطائفة السنية، وينحدرون من عدة دول أبرزها تونس وليبيا والجزائر والمغرب، فضلاً عن بعض الدول الأوروبية.

في حين أن ضعفي هؤلاء، أي 40 ألف مقاتل من الطائفة الشيعية، يقاتلون إلى جانب قوات النظام، قدموا من إيران ولبنان والعراق وأفغانستان وأذربيجان غيرها.

تقديرات عدد المقاتلين الأجانب هذه تظهر أن توافد هؤلاء إلى الأراضي السورية يتضاعف من سنة إلى أخرى، فوفقاً لتقديرات المركز الدولي لدراسة التطرف (ICSR) فإن عدد المقاتلين الأجانب الذين قدموا إلى سوريا للقتال في صفوف مجموعات المعارضة المسلحة خلال الفترة الممتدة من أواخر عام 2011 حتى أواخر عام 2013 قد وصل إلى 11 ألف شخصاً، وهذا الرقم يشمل من عادوا إلى أوطانهم أو تم اعتقالهم أو قتلهم.

أبرز الفصائل المسلحة التي ينتمي إليها المقاتلون الأجانب

يقاتل معظم المقاتلين الأجانب "السنة" بشكل أساس في صفوف كل من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الذي يقاتل من أجل مشروعه السياسي الخاص المتمثل في "دولة الخلافة الإسلامية"، وجهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، كما يتواجد العشرات منهم في صفوف عدد من فصائل المعارضة المسلحة أبرزها حركة أحرار الشام الإسلامية، جيش المهاجرين والأنصار، حركة شام الإسلام، كتيبة صقور العز، أنصار الشام، أنصار الدين، وجيش الإسلام، إلا أن القسم الأكبر منهم يتواجدون في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، حيث انسحب كثير منهم من فصائلهم وانضموا إلى التنظيم بعد إعلانه قيام دولته والبدء بالسيطرة على مناطق واسعة من سوريا والعراق.

أما المقاتلون "الشيعة" فمعظم القادمين من إيران هم من الحرس الثوري الإيراني، وهؤلاء يعملون بالتنسيق المباشر مع قوات النظام في الإشراف والتخطيط للمعارك وتنظيم عمل باقي الميليشيات، والقادمون من لبنان فهم من عناصر حزب الله اللبناني وحركة أمل وكان لهم دور حاسم في عدد كبير من المعارك ولا سيما في ريف دمشق، فيما يقاتل القادمون من العراق في ميليشيات خاصة بهم يقدر عددها بأكثر من عشر ميليشيات وفقاً لمعلومات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فيما وثق ناشطون معارضون أسماء أكثر من 22 ميليشيا، أبرزها لواء أبي الفضل العباس، عصائب أهل الحق، لواء ذي الفقار، كتائب حزب الله العراق، كتائب سيد الشهداء، فيلق الوعد الصادق وغيرها. وبالإضافة إلى ماسبق هناك ميليشيات متفرقة أقل عدداً تضم المقاتلين من الجنسيات الأخرى كالأفغانية واليمنية وبعض دول شرق آسيا.

العقيدة والأهداف

تختلف الأسباب التي تدفع المقاتلين الأجانب للتوجه إلى سوريا، كما تختلف أهداف كل فصيل أو ميلشيا، سواء كانت تقاتل إلى جانب قوات النظام أم قوات المعارضة أو من أجل أهدافها الخاصة.

يعتبر تنظيم داعش من أكثر الأطراف المتصارعة عزلةً ووضوحاً في الأهداف، فالتنظيم أعلن عن قيام دولة الخلافة الإسلامية في المناطق التي يسيطر عليها في سوريا والعراق بقوة السلاح ويسعى إلى توسيع رقعة سيطرته قدر الإمكان، وهو يدير أمور هذه المناطق ويفرض قوانينه وعقوباته فيها وفقاً للأحكام الشرعية التي يصدرها استناداً إلى الشريعة الإسلامية.

أما جبهة النصرة فهي تتبنى معتقدات تنظيم القاعدة، وهي تعتمد أيضاً على الشريعة الإسلامية كمصدر لأحكامها وقراراتها، وتسعى مؤخراً لإقامة إمارة إسلامية تمهد لها في كل من ريف إدلب وريف حلب.

كما تتشارك باقي الفصائل الإسلامية، المتشددة والمعتدلة، في أهداف تتلخص في إقامة دولة مبنية على الشرع الإسلامي وإنهاء "الحكم العلوي" في سوريا وقتال الميليشيات الشيعية التي تساند قوات النظام.

على الجانب الآخر، فإن العامل المشترك لمعظم الميليشيات الشيعية المختلفة الجنسية هو مبدأ قتال السنة لسببين أساسيين، أولهما "التهديد السني" للحكم الشيعي في كل من العراق ولبنان وسوريا، وثانيهما يعود إلى الحرب الطائفية بين السنة والشيعة في إطار الحديث عن "ثأر تاريخي" بين الطائفتين.

في حين يقاتل حزب الله لأسباب واضحة تقوم على التحالف الاستراتيجي بين الحزب والنظام السوري، حيث يؤمن الأخير للأول الغطاء السياسي ويمده بالسلاح كصلة الوصل الوحيدة بين إيران وحزب الله، على اعتبار أن الحدود اللبنانية الوحيدة هي مع سوريا، أي أن معركة حزب الله في سوريا هي معركة وجودية بامتياز على الرغم من استخدام النزعة الطائفية بين عناصر الحزب لإثارة حماستهم.

يضاف إلى هؤلاء بعض المرتزقة الذين يقاتلون لقاء مبالغ نقدية معينة من قبل الأطراف المتصارعة أو الجهات والدول التي تدعم هذه الأطراف.

ظهور الفصائل والميليشيات والجهات الداعمة لها

من الصعب تحديد ظهور أي فصيل مسلح على الساحة السورية، لا سيما وأن هذه الفصائل تتأخر في الإعلان عن تواجدها، كما هو الحال بالنسبة لحزب الله، الذي ظل ينكر قتاله إلى جانب النظام السوري لعدة أشهر قبل أن يعلن أمينه العام حسن نصر الله عن ذلك.

يضاف إلى ذلك إلى أن بعضاً من هذه المجموعات غيرت أسماءها أو أهدافها، وكذلك الأمر بالنسبة لعناصرها الذين أعلنوا عن ولاءات متباينة بين الحين والآخر، فضلاً عن قيامها بتغيير الرايات التي يرفعونها، وهذا الأمر يكثر تواجده بين الفصائل التي تقاتل مع المعارضة المسلحة.

لكن بشكل عام، يمكن القول إن دخول المقاتلين الأجانب إلى سوريا كان محدوداً جداً خلال عام 2011، وأغلب هؤلاء كانوا يتواجدون إلى جانب قوات النظام، كالخبراء التقنيين والقناصين، ومع تزايد تسليح الثورة السورية خلال عام 2012، وتمكن الجيش السوري الحر من تحقيق انتصارات متوالية على حساب قوات النظام، وتزايد أعداد القتلى والمنشقين في صفوف الأخير، بدء النظام السوري الاستنجاد بحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية العراقية.

على الجانب الآخر كانت أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف قوات المعارضة قد بدأت بالتزايد ولكن بشكل قليل، دون أن تظهر جماعات ذات نفوذ كبير خلال هذه الفترة.

بحلول عام 2013 تفاقم الصراع في سوريا مع بروز قوتين كبيرتين على الساحة، هما جبهة النصرة وتنظيم داعش، واللذان قاتلا جنباً إلى جنب مع بعض الفصائل الأخرى ضد قوات النظام، كحركة أحرار الشام التي انضمت إلى الجبهة الإسلامية لاحقاً، ولواء ثوار الرقة التابع للجيش الحر، كما فتحوا جبهة جديدة ضد حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية في المناطق ذات الأغلبية الكردية في ريف الرقة وريف حلب وريف الحسكة.

خلال النصف الأخير من عام 2013 تجمع القسم الأكبر من المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم داعش تزامناً مع بروز الخلافات بين داعش والجيش الحر واندلاع المعارك بينهما.

في عام 2014 تزايدت أعداد المقاتلين الأجانب في سوريا إلى الضعفين، وذلك يشمل الميليشيات الموالية لقوات النظام وكل من تنظيم داعش وجبهة النصرة، كما شهد الشهرين الأخيرن ازدياد عدد المنضمين إلى تنيظم داعش في أعقاب استهداف قوات التحالف الدولي لها نتيجة لاعتبار هؤلاء المقاتلين هذه الضربات "حرباً على السنة."

على صعيد آخر فإن الجهات الممولة لهؤلاء المقاتلين والمجموعات التي شكلوها تبقى في إطار التخمين والتحليل، دون وجود أدلة دامغة على ذلك، ولكن المعلومات المتاحة من عدة مصادر تشير إلى أن معظم الميليشيات التي تقاتل إلى جانب قوات النظام يتم تسليحها وتدريبها ودفع رواتب عناصرها من قبل الحرس الثوري الإيراني من جهة، ومن قبل النظام السوري من جهة أخرى والذي يعتمد على كل من إيران وروسيا والصين في تأمين السلاح والسيولة النقدية.

في حين تقول المصادر إن تمويل الجماعات المتشددة التي تقاتل إلى جانب قوات المعارضة أو تقاتل ضدها يأتي في الغالب من دول إقليمية، كالسعودية وقطر، ويتهم البعض الولايات المتحدة الأميركية في تمويل بعضها الآخر، لكن هذه المعلومات تبقى دون أدلة، ولا بد من التنويه إلى أن هناك أفراد وشركات يساهمون في دعم هذه الجماعات بشكل مباشر أو عن طريق التبرعات، فيما يحصل بعضها على التمويل من التجارة والنفط وعمليات التهريب وفرض الرسوم على السكان في مناطق نفوذها..إلخ.

مناطق النفوذ

يسيطر تنظيم داعش على محافظتي الرقة ودير الزور وأجزاء من ريف حلب وريف الحسكة فضلاً عن تواجده في بعض مناطق ريف حمص الشرقي وريف دمشق، فيما تسيطر جبهة النصرة على محافظة إدلب وأجزاء من محافظة حلب بمشاركة فصائل مسلحة أخرى ولها تواجد قوي في معظم المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري الحرفي ريف دمشق ودرعا.

على الجانب الآخر فإن حزب الله اللبناني يسيطر على عدة مناطق في ريف دمشق الغربي ومنطقة القلمون، كما تتواجد الميليشيات الشيعية على عدة جبهات في ريف دمشق الشرقي والجنوبي وفي حلب وريف حماة، في حين أظهر تقرير صدر خلال شهر أيلول الماضي عن حملة "نامه شام" أن إيران عبر ممثلها الحرس الثوري الإيراني قد تحولت من حليف للنظام السوري إلى قوة احتلال في سوريا، وأظهر التقرير الذي أعده مجموعة من الناشطين الإيرانيين والسوريين واللبنانيين مجموعة من الأدلة التي تثبت تحكم الحرس الثوري الإيرانيب كافة مفاصل الصراع الذي يخوضه النظام ضد الشعب السوري، عسكرياً واقتصادياً.

تأثيرات دخول المقاتلين الأجانب على الثورة السورية

في الوقت الذي كان فيه الجيش السوري الحر يحرز انتصارات كبيرة على حساب قوات النظام خلال عام 2012 وبدأ يسيطر فيها على مناطق واسعة من سوريا، استعان النظام السوري بمقاتلين أجانب من إيران ولبنان والعراق ودول أخرى لمساندته في التخطيط للمعارك غير النظامية وتعويض النقص الحاصل في قواته، وهو ما أعطى دفعاً كبيراً لقوات النظام لاحقاً مما مكنه من استعادة السيطرة على عدة مناطق كمدينة حمص ومنطقة القلمون، أو على الأقل الوصول إلى اتفاقات هدنة في مناطق أخرى.

على الجانب الآخر تعرض الجيش الحر لضربات موجعة نتيجة تعرضه للهجوم من قبل تنظيم داعش، مما أضعف من قوته نتيجة تشتته بين عدة جبهات في حرب طويلة مع قوات النظام من جهة وتنظيم داعش من جهة أخرى، فضلاً عن قيام التنظيم ومجموعات متشددة أخرى بقتل واعتقال وملاحقة عشرات الناشطين في مجالات الإعلام والإغاثة والأمور المدنية الأخرى بالإضافة إلى تنفيذ عدة اغتيالات طالت قادة بارزين في الجيش الحر.

يرى الناشط الإعلامي من الرقة، سرمد الجيلاني، أن الفصائل المتشددة من قبيل داعش قد عملت على "تحويل ثورة الحرية لما أسموه خلافة إسلامية والتي هي أبعد ما يكون عن الإسلام" واعتبر أن داعش كانت السبب الأساس لتدخل طيران قوات التحالف الدولي، كما أشار إلى أن وجود مثل هذه الفصائل أثر بشكل مباشر على سير الثورة السورية "حيث باتت شمّاعة من أجل تعليق كافة الأخطاء و التخاذلات عليها سواءً كانت محلية أو دولية."

الناشط الإعلامي من درعا، عمار الخطيب، أن المقاتلين الأجانب تحولوا إلى "فزّاعة أخرى" بلسان أنظمة إقليمية ودولية اتخذت من سوريا ميداناً لأجنداتهم في غيابٍ واضح للمصلحة السورية، وأضاف: "هناك عوامل كثيرة ساعدت على استقطاب المقاتلين الأجانب وفّرتها بعض الدول المجاورة باتفاقات سرية بين أجهزة المخابرات لتكون سوريا التجمع الأكبر للإرهاب وعلى ذلك تُبنى معادلات الحرب على الإرهاب لينعكس ذلك سلباً على متطلبات الشعب السوري التي خرج لأجلها في احتجاجات آذار 2011." وكذلك أوضح الخطيب أن دولة الخلافة الإسلامية جعلت من نفسها جزءاً من المشكلة لا سبيلاً للخلاص "فإذا ما نظرنا إلى الساحة السورية وما يجري فيها من حرب بين أطراف عدة نلاحظ أن الدولة الإسلامية أصبحت القاعدة التي يجب اقتلاعها بدلاً من نظام الأسد، وبناءً على ذلك جاء المبعوث الأميركي حاملاً معه بعضاً "الحلول" التي مفادها توجيه جهود جميع الأطراف بما فيها المعارضة ونظام الأسد إلى الحرب على الإرهاب في سوريا، والمقصود الدولة الإسلامية!"

من جهته اتهم الناطق الرسمي باسم لواء ثوار الرقة التابع للجيش السوري الحر، الملقب بأبو محمد، تنظيم داعش بالعمل على زرع الفتنة بين الجيش الحر ومقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية، توضيحاً منه لمشاركة اللواء مع كل من حركة أحرار الشام وجبهة النصرة إلى جانب تنيظم داعش في المعارك التي شنوها على المناطق ذات الأغلبية الكردية في ريف الرقة وبشكل خاص مدينة تل أبيض خلال العام الماضي، وأضاف أن التنظيم "دخل عليهم باسم الدين وعمل على زرع الفتنة بين كافة الأطراف بهدف وضعهم في صراع دائم تخسر فيه كل الأطراف قوتها مما يسهل على التنظيم السيطرة عليهم وهو ما حصل لاحقاً."

حجم الأجانب في الصراع السوري

إن العدد الكبير نسبياً للمقاتلين الأجانب لا يعني أن القتال ضد نظام الأسد تقوده قوات أجنبية كما يدعي النظام السوري، فعدد المقاتلين الأجانب لا يمثل أكثر مما نسبته 10% من عدد المقاتلين في فصائل المعارضة المسلحة، الذين تشير التقديرات إلى أن عددهم يتجاوز 100 ألف مقاتل، دون أن نغفل أن معظم هؤلاء الأجانب يقاتلون في صفوف تنظيم داعش من أجل دولة الخلافة وليس ضد نظام الأسد، بل على العكس من ذلك، فالمعارك التي خاضها هؤلاء ضد المعارضة السورية تبلغ أضعاف ما خاضوه ضد قوات النظام، ويركز وجودهم في مناطق باتت معروفة، هي الرقة ودير الزور وريفي إدلب وحلب.

في هذا السياق لا بد من التنويه إلى أن محافظة درعا تعتبر من أكثر المحافظات التي استطاع مقاتلو المعارضة فيها الحفاظ على هويتهم السورية، إذ أشار عمار الخطيب إلى أن جغرافية المحافظة كانت سبباً رئيساً في عدم توفر المناخ الملائم لتجمع أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب، فدرعا التي تقع في أقصى الجنوب السوري وتجاورها الأردن وإسرائيل، لا تزال الغلبة الأكثر فيها لأبناء المحافظة، وذلك من خلال الإجراءات الأمنية المشددة التي التي عملت عليها كلاً من الأردن وإسرائيل، على العكس مما يجري في الشمال السوري وانفتحاح المنطقة جغرافياً على دول مجاورة ساعدت على دخول المقاتلين الأجانب، وأوضح أن توافد أعداد كبيرة من مقاتلي جبهة النصرة من شمال سوريا إلى جنوبها كان سبباً رئيساً في تواجد عشرات المقاتلين الأجانب في الجنوب واستلامهم لبعض المواقع الحساسة في جبهة النصرة، إلا أنهم حتى الآن لا يشكلون مصدر خطر على أبناء المحافظة كون الطابع العشائري يغلب في معظم المناطق .

السوريون في صفوف الفصائل المتطرفة

يشارك السوريون في القتال ضمن صفوف تنظيم داعش وجبهة النصرة، فضلاً عن وجود تحالفات كثيرة بين فصائل المعارضة وبعض الفصائل ذات الطابع الإسلامي المتشدد، وفي الغالب يكون الدافع وراء انضمام السوريين إلى تنظيم مثل داعش واحداً أو أكثر من ثلاثة أسباب، المال، السلطة، والدين.

إلا أن اللافت للنظر هو ارتفاع عدد السوريين المنضمين إلى تنظيم داعش خلال العام الحالي دون وجود أية تقديرات لأعدادهم، وبشكل خاص في مرحلتين أساسيتين، أولهما السيطرة على الرقة ودير الزور وإعلان دولة الخلافة، وثانيهما بدء قوات التجالف الدولي بشن غارات جوية ضد بعض مواقع التنظيم ومواقع تابعة لفصائل إسلامية أخرى، في كل من الرقة ودير الزور وإدلب.

في المرحلة الأولى ارتفع عدد الذين "بايعوا" التنظيم في مناطق نفوذه، وبشكل خاص في المناطق الشرقية من سوريا، وفسر سرمد الجيلاني بأن التنظيم اعتمد على عدد من العوامل أهمها "الترهيب بقطع الرؤوس والأحكام الجائرة في المناطق التي تحت سيطرت لترضخ له المناطق الأخرى، بالإضافة إلى النفط والدعم القوي الذي يملكونه، فضلاً عن اعتمادهم على استجرار الأهالي عبر الخيم الدعوية باسم الدين."

أما في المرحلة الثانية، تسببت السياسة الأميركية في استهداف التنظيم والتغاضي عن "الجرائم" التي ارتكبتها قوات النظام في توليد إحساس عكسي حتى لدى المناهضين لفكرة دولة الخلافة، فاعتبروا أن هذه الضربات تهدف إما إلى "استهداف المسلمين" أو "إضعاف المعارضة وتقوية الأسد" إذ تفاجأ كثيرون باستهداف قوات التحالف لمواقع تابعة لجبهة النصرة وغيرها من الفصائل الإسلامية دون استهداف قوات النظام السوري، حيث بات الوضع وفقاً لوصف بعض الناشطين من إدلب يبدو وكأنه "يتم تقاسم نقاط القصف بين النظام السوري الذي أخذ يمعن في قصفه لتجمعات المدنيين والجيش السوري الحر خلال النهار، وقوات التحالف تستهدف الفصائل الإسلامية خلال الليل." هذا الواقع دفع كثيراً من المدنيين والناشطين والفصائل المسلحة إلى مساندة داعش، وفي بعض المناطق في ريف إدلب خرجت مظاهرات "تضامناً مع تنظيم الدولة الإسلامية" كما أصدرت العديد من الفصائل بيانات تفيد برفضها لهذه الهجمات.

أفاد مقاتل في فصيل إسلامي، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن السبب الذي دفعه للانضمام إلى تنظيم داعش هو أنه على الرغم من محاربة فصيله لداعش مسبقاً فقد تم استهدافهم من قبل قوات التحالف مثلهم مثل داعش، لذا قرر الانضمام إلى التنظيم بسبب توافر "الرواتب والأمان" هناك، مؤكداً على أنه بات واضحاً بالنسبة له أن هدف هذه الضربات هو إضعاف الثوار وليس القضاء على داعش.

الصراع باقٍ ويتمدد

بات من الواضح أن غياب أي أفق لحل سياسي للأزمة السورية، وتداخلها مع الصراعات الإقليمية والدولية، وتأجج الصراع المذهبي على حساب مبادئ الثورة وأهدافها، سيطيل من أمد الحروب القائمة على الأراضي السورية، وذلك في ظل ارتفاع عدد القتلى إلى أكثر من 200 ألف شخص والنازحين إلى أكثر من 6 ملايين شخص داخل سوريا وخارجها.

كما أن هذه الحروب تنذر بانتقالها إلى دول أخرى، وقد وصلت بالفعل إلى كل من العراق ولبنان، فضلاً عن تنامي التحذيرات من ظاهرة "العائدون من سوريا" وتهديدهم للدول التي تستهدفها عادة التنظيمات الجهادية أو الميليشيات الشيعية التي تقودها إيران.



هذه الحروب أصبحت تشكل عامل جذب للشبان المقاتلين بشكل فاق ما حصل في أفغانستان والعراق والصومال سابقاً، على الرغم من قصر مدة الصراع في سوريا مقارنة بطول فترات تلك الصراعات، ويعود ذلك إلى أن الوصول إلى سوريا سهل ورخيص وجذاب، فالحدود التركية واللبنانية مفتوحة على مصراعيها لهم. لذلك، وإن لم تتغير المعادلات في سياسات الدول المعنية، فإن عداد المقاتلين الأجانب في سوريا سيستمر في اتجاهه التصاعدي بكل تأكيد في واحدة من أكبر عمليات حشد المقاتلين الأجانب في التاريخ الحديث.

* تم نشر هذا التحقيق في موقع الحل السوري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق