الأربعاء، 10 سبتمبر 2014

من يقف وراء الاعتداءات على السوريين في لبنان؟



وقعت خلال الأيام القليلة الماضية عدة اعتداءات على لاجئين سوريين في لبنان من قبل مجموعات من الشباب اللبناني، ولا سيما في العاصمة بيروت، وعلى الرغم من أن هذه الاعتداءات ليست الأولى من نوعها، إلا أن كثرتها في هذا الوقت القصير والأماكن التي حدثت فيها تثير العديد من الأسئلة حول أسباب هذه الاعتداءات ونتائجها، سواء على اللاجئين السوريين أو على الوضع الأمني العام في لبنان.

السبب المباشر وراء الاعتداءات
 اندلعت خلال شهر آب الماضي مواجهات بين عناصر إسلامية متشددة تابعة لكل من جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشاممن جهة والجيش اللبناني من جهة أخرى في بلدة عرسال بالقرب من الحدود السورية اللبنانية، في أعقاب قيام الأخير باعتقال السوري عماد جمعة بتهمة الانتماء إلى تنظيم متطرف أثناء نقله إلى أحد المستشفيات بعد ما أُصيب بجروح في المعارك الدائرة في منطقة القلمون السورية بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة.

أدت المعارك في عرسال إلى مقتل وجرح العشرات من الطرفين، كما تم اختطاف عدد من العناصر التابعين للجيش والأمن اللبنانيين.
تم الإفراج حتى الآن عن خمسة جنود، فيما لا يزال الباقون محتجزين، ويعمل عدد من مشايخ المنطقة على إدارة دفة المفاوضات لإخلاء سبيلهم، فيما يطالب الخاطفون بإطلاق سراح جمعة، إضافة إلى انسحاب ميليشا حزب الله من الأراضي السورية، حيث تقاتل هناك إلى جانب قوات النظام.
هذا الاختطاف، والذي تخلله قيام تنظيم الدولة الإسلامية بذبح أحد الجنود بعد محاولته الهرب، أثار موجة غضب عارمة في الشارع اللبناني، وبشكل خاص في ظل غياب أي دور فاعل للدولة اللبنانية، التي تعاني بالأصل من فراغ حكومي ورئاسي.

اعتداءات فردية وجماعية على السوريين
نقل موقع تلفزيون الجديد اللبناني يوم أمس أن مجموعة من الشبان قاموا بالاعتداء بالضرب على شاب سوري تحت جسر المشرفية في منطقة الضاحية الجنوبية ببيروت، معقل حزب الله، وتم طعنه بوساطة سيف، وتم نقله إلى أحد مشافي المنطقة، كما قام عدد من الأشخاص بالاعتداء على مجموعة من العمال السوريين على طريق المطار.
كما أفاد الشاعر والرسام السوري سمعان خوّام بأنه تعرض للضرب ثلاث مرات متتالية مساء اليوم السادس من الشهر الحالي من قبل بعض الشبان في حديقة اليسوعية بمنطقة الجعيتاوي ببيروت، وقد عرّف هؤلاء عن أنفسهم بأنهم "أمن دولة" ولكنّه شكك في ذلك بسبب صغر أعمارهم، وأضاف خوّام بأن هؤلاء قد أخذوا منه محفظته وأوراقه، وأكد على أنه قدم شكوى للأمن اللبناني بذلك.
في شارع فرن الشباك اعتدى عشرات الشبان على شابين سوريين كانا عائدين إلى منزلهما ليلاً بعد أن تعرضا للشتم لأنهما "غريبان" و"سوريان."
في ذات اليوم أيضاً تم تجريف أحد مخيمات اللاجئين في منطقة صور من قبل عمال البلدية بعد ساعات من قيام مجموعة من الشباب اللبنانيين بافتعال مشاكل داخل المخيم.
في حين أكد عدد من الناشطين السوريين المتواجدين في بيروت بأنه تتجول في شوارع بيروت سيارات تقلّ عشرات الشباب يقومون بتوقيف السوريين والاعتداء عليهم، ولا سيما في ساعات الليل، وذلك دون تدخل من الأمن أو الجيش، اللذين تنتشر حواجزهما في كل منطقة من بيروت.
بالتزامن مع ذلك، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لملصقات علقها لبنانيون على الجدران في مناطق متفرقة تدعو كافة السوريين إلى مغادرة المنطقة فوراً، أو خلال أيام، متوعدين كل من يخالف ذلك.

اعتداءات حكومية بقرارات غير معلنة
سبقت الاعتداءات التي ذُكرت أعلاه قيام السلطات اللبنانية بتنفيذ إجراءات "كيفية" تتعلق بدخول السوريين إلى لبنان عبر عدد من المعابر الحدودية البرية، حيث تم منع العديد من الشبان من الدخول إلى الأراضي اللبنانية، فيما سمح لآخرين بالدخول، دون إبداء أية أسباب لذلك.
من جهة أخرى أعلنت وزارة التربية اللبنانية بعدم السماح للطلاب السوريين بالتسجيل في المدارس اللبنانية "قبل اكتمال تسجيل الطلاب اللبنانيين" وهو ما وصفه سوريون بالقرار المبطن الذي لن يمنحهم الحق بتسجيل أولادهم، متسائلين: "كيف ستعرف الوزارة أن كل الطلاب اللبنانيين قد سجلوا؟! وماذا لو لم يسجل البعض منهم؟"

من المسؤول عن هذه الاعتداءات؟
نفى الناشط اللبناني، مازن بوحمدان، أن تكون هذه الحوادث وليدة المصادفة، وربط بينها وبين الثقافة السائدة، معتبراً أن هناك أزمة على المستوى الثقافي وعلى مستوى القيم عند فئات واسعة من الشعب اللبناني، تتمثل في حالة من الهستيريا والإحباط والاستقواء، مؤكداً على أن المشكلة في الأساس تكمن في القيم والأفكار وأن "البلطجيات ليست إلا نتاجاً لها"، وأشار إلى أن هناك أشخاص يطالبون بإعدام أحد الموقوفين في سجن رومية مقابل كل جندي لبناني يُعدم، بينما تحدث عن ورود أنباء بقيام مجموعات بمحاصرة بعض مخيمات اللاجئين في منطقة البقاع مهددين بحرقها في حال لم يتم الإفراج عن الجنود، في حين ذهب المخرج اللبناني شربل خليل إلى الدعوة إلى "خطف مواطنين أتراك وسعوديين وقطريين" للضغط على تنظيم الدولة الإسلامية.
ألقى بوحمدان بمسؤولية ما يحدث على عاتق من قاموا بالاعتداء على السوريين أولاً، وعلى الإعلام اللبناني الذي لعب دوراً تحريضياً بتغذية هذه الأفكار ثانياً، بالإضافة إلى "أجهزة الدولة المتقاعسة" ثالثاً، مؤكداً على أن للدولة اللبنانية مسؤولية أساسية "إلا أن مزاج الدولة في كل منطقة لبنانية يخضع لميليشيات قوى أمر الواقع في تلك المنطقة."
كما دعا السوريين المقيمين في لبنان إلى توخي الحذر وضبط النفس، ريثما يتم تهدئة الوضع عبر استغلال النزعة العدائية اللبنانية لداعش وتوجيهها في مسار "نحن لسنا كداعش ولا نتصرف مثلهم"، إذ يرى أن الحل الآن هو بيد الإعلام اللبناني عبر توجيه هذه الرسالة في كل حادثة تحصل، وهو ما من شأنه من أن يرفع الكلفة السياسية لأي اعتداء مستقبلي وتحصين الثقافة الجماعية ضد الكراهية والعنصرية، كما أن هذا كفيل بوضع الدولة عند مسؤولياتها "خوفاً من الفضيحة الإعلامية."
من جهتها اعتبرت الصحافية اللبنانية، لونا صفوان، أن اللبنانيين هم من أوصلوا أنفسهم إلى هذه المرحلة، ورأت أن ما يحصل قد يكون بداية لسلسلة حوادث بين السوريين واللبنانيين سببها "كبت المواقف المستمر" منذ نحو سنتين.
أما عن الإعلام اللبناني في هذه المرحلة، فقالت صفوان إنه ليس له أي دور الآن، إذ أن "ما فعله هذا الإعلام خلال السنتين الماضيتين كان كفيلاً بإيصالنا إلى هنا،" واكتفت بوصف ما يحدث بأنه مرحلة صعبة يصعب عليها توقع تبعاتها ونتائجها.

ماذا بعد؟
"ماذا بعد؟!" سؤال بات يطرحه كثير من اللاجئين السوريين في لبنان، فدائرة الاعتداءات توسعت دون أي تدخل من الدولة اللبنانية، وتحت غطاء من بعض الأحزاب اللبنانية، وهو ما دفع هؤلاء بالتفكير في مغادرة لبنان، ولكن؛ "إلى أين؟" فالناشطون منهم مطاردون من قبل الأمن السوري ولا يمكنهم العودة إلى سوريا، والنازحون من حمص أو إدلب أو القصير مثلاً لا يستطيعون المجازفة بالعودة بسبب "حقد النظام السوري" عليهم باعتبارهم "البيئة الحاضنة" للثورة. الأردن ومصر باتوا يطالبون السوريين بتأشيرة دخول لا يتم منحها، والوضع في تركيا يزداد سوءاً، والدول الأوروبية لا تستقبل إلا العشرات سنوياً.

هنا يطرح أحد السوريين سؤالاً على المحرضين على الاعتداء على السوريين: "ماذا تتوقعون بعد كل هذا التحريض من أكثر من مليوني لاجئ؟" ويستدرك موضحاً: "هذا ليس تهديداً بل هي دعوة لنبذ العنف الذي لن يولّد إلا عنفاً مضاداً." 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق