الثلاثاء، 27 مايو 2014

فقدان الأمل يقود السوريين إلى النزوح “الطوعي”





تنتظر أعداد من العائلات السورية في العاصمة دمشق وريفها الغربي انتهاء فترة الامتحانات النهائية للمراحل الدراسية المختلفة، الابتدائية والإعدادية والثانوية، لمغادرة سوريا فيما يشبه موجة نزوح توصف بـ”الطوعية.”

هذه العائلات لا تجمعها الطائفة أو الإثنية، وإنما يتشاركون في الأوضاع المعيشية الصعبة وغياب الأمن، على الرغم من أنهم يعيشون في مناطق تعتبر هادئة مقارنة مع مناطق أخرى تشهد قصفاً ومعارك يومية، علماً أن دمشق وريفها الغربي تخضعان بشكل شبه كامل لسيطرة قوات النظام، ويندر وجود كتائب معارضة فيهما إلا في بعض بلدات الريف الغربي، والتي نزح معظم سكانها بعد حصار قوات النظام لها وتنفيذ عمليات عسكرية واسعة فيها.

كما أن معظم هذه العائلات لم تشارك في الحراك الثوري السلمي أو العسكري، ولم تكن طرفاً في الصراع الدائر في سوريا، سواء إلى جانب قوات النظام والميليشيات الموالية لها أم إلى جانب كتائب المعارضة والفصائل الإسلامية الأخرى.

خليل، المقيم في دمشق، أشار إلى أن عدداً من عائلات أصدقائه وأقربائه ينتظرون انتهاء العام الدراسي الحالي للرحيل بعدها إلى لبنان كمرحلة اولى ومن ثم إلى تركيا أو بعض الدول العربية أو الأوروبية التي تستقبل اللاجئين السوريين، وأوضح أنهم سيغادرون بطريقة نظامية عبر المعابر الحدودية الرسمية باستخدام جوازات سفرهم، كما نوّه إلى أن البعض قد غادروا بالفعل، مثل ابن عمه (الكردي) مع جيرانه (المسيحيين) والذين تركوا سوريا منذ عدة أيام بعد أن كانوا يقيمون في مدينة جرمانا بريف دمشق.

عن أسباب هذا النزوح، قال خليل إن تدهور الأوضاع المعيشية وغياب الأمن هما السببان الرئيسان لاتخاذهم قرار مغادرة البلاد، إذ ارتفعت الأسعار بشكل كبير خلال الأعوام الثلاثة الماضية مع انخفاض قيمة الليرة السورية فيما لم ترتفع الرواتب والأجور بالقدر المناسب، فضلاً عن انتشار الحواجز الأمنية بشكل كبير، والتي لم تعد مقتصرة على الأمن السوري بل بات بعضها يتبع للميليشيات التي تقاتل إلى جانب قوات النظام، كحزب الله اللبناني ولواء أبي الفضل العباس العراقي، فضلاً عن استمرار تساقط قذائف الهاون العشوائية على دمشق، وأضاف أن البعض أصيب بحالة من “اليأس” من إيجاد حل لما يجري في سوريا و”استسلم” لواقع أن الحرب ستبقى مستمرة إلى أمد غير محدد.

النازحون الجدد لا يملكون خططاً واضحة سوى مغامرتهم بفكرة مفادها أن “أي مكان آخر سيكون أفضل للعيش” إلا أن النسبة الأكبر منهم لا يعتزمون البقاء في لبنان، إذ سينتقلون منها إلى تركيا أو دول أخرى، فيما يفكر قلة منهم في البقاء للتسجيل لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بانتظار منحهم حق اللجوء في دولة أوربية، وفقاً لما أفاد به خليل.

يبحث محمد، الذي يقيم في دمشق ويعمل في أحد المعامل بريف دمشق، عن فرصة عمل أفضل في تركيا عبر معارفه ممن سبقوه إلى هناك، فارتفاع الأسعار والغلاء المعيشي جعلاه غير قادر على توفير الاحتياجات الأساسية لزوجته وأولاده الأربعة، على الرغم من ساعات العمل الإضافي التي يشتغلها، كما أن الساعات الطويلة التي يقضيها فيها الطريق من وإلى العمل بسبب كثرة الحواجز الأمنية باتت تشعره بالتعب والقلق حيال ترك أولاده في المنزل، خاصة وأنه يضطر أحياناً للنوم في المعمل عند تأخره في العمل ليلاً أو عند قطع الطريق أثناء حدوث اشتباكات بين الجيش السوري الحر وقوات النظام في المناطق المجاورة.

بيّن محمد أنه يتقاضى راتباً قدره 30 ألف ليرة سورية، وهي كانت تعادل سابقاً نحو 625 دولاراً أمريكياً، لكن الآن، بعد تدني قيمة العملة المحلية، صار راتبه يساوي حالياً 180 دولاراً فقط، مؤكداً على أنه لم يحصل على أية زيادة راتب خلال الفترة الماضية، لذلك قرر البحث عن عمل أفضل في الخارج، لكنه يأبى ترك عائلته قبل الحصول على تأكيدات بوجود عمل ينتظره في تركيا بشروط أفضل نسبياً، تمكنه من أخذ عائلته لاحقاً.

يضاف إلى ما سبق وجود حالات نزوح مستمرة “شبه قسرية” بين فئة الشباب، الذين يغادون سوريا، ولا سيما من المناطق الخاضعة تحت سيطرة النظام، خشية الاعتقالات العشوائية التي تقوم بها عناصر الأمن وهرباً من “سحبهم” إلى خدمة العلم الإلزامية، في حين يبحث بعضهم الآخر عن فرص أفضل لاستكمال دراستهم الجامعية في الخارج وإيجاد وظائف مناسبة تمكنهم من مساعدة أهلهم في الداخل أو الإرسال في طلبهم عن طريق “لم الشمل” بعد الحصول على إقامة لاجئ في إحدى الدول الأجنبية.

يذكر أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في دول الجوار تجاوز نهاية الشهر الماضي المليونين وسبعمئة ألف لاجئاً، يقيم نحو نصفهم في لبنان فيما يتوزع الباقي بين تركيا والعراق والأردن، بالإضافة إلى وجود الآلاف في مصر والسويد وفرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخرى، دون الأخذ بعين الاعتبار وجود عشرات الآلاف ممن لم يسجلوا لدى المفوضية أو ينتظرون تسجيلهم.

بينما تختلف الأرقام بحسب جهة التوثيق بالنسبة للنازحين من منطقة إلى أخرى داخل سوريا هرباً من أعمال القصف والمعارك والحصار، فوفقاً لارقام منظمة الأمم المتحدة فقد بلغ عددهم مع نهاية شهر نيسان المنصرم 4250000 نازحاً داخلياً، فيما بلغ الرقم الذي وثقه مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية حوالي سبعة ملايين وخمسمئة ألف نازحاً، يعيش معظمهم في ظروف معيشية سيئة للغاية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق